مشاعر الغضب في بيئة العمل لا تُربك نفسيتك فقط، وإنما ستجعلك بدون نجاح مهني!

لا يختلف اثنان على أن شعور الغضب مدمر لصاحبه. مع أن جزءا من الغضب يكون مصاحبا للأشخاص المبدعين وغير القادرين على التعبير عن غضبهم، إلا أنه في كثير من الأحيان يكون مرافقا لتراكم الكثير من المشاعر السلبية.

حين تكون في وظيفتك وتختلف مع زميل لك في الرأي فتغضب عليه، يمر الأمر بسلام في المرة الأولى، وفي الثانية أيضا قد يغض الطرف عنك، لكن في الثالثة وحين يصل الوضع لمديرك في العمل، في أحسن الأحوال ستتلقى توبيخا ينتهي بتخفيض راتبك، وفي أسوئها ستطرد من عملك.

ماذا لو تكرر الأمر من وظيفة لأخرى، ومن عمل لآخر، وانتقل هذا الغضب من زميلك إلى مديرك نفسِه؟ لن تبقى في أي عمل، وبالتالي ستودع فرص نجاحك المهني.

مشاعر الغضب في بيئة العمل، كيف تجعلك بدون نجاح مهني؟

قد يقول البعض، مع ذلك أستطيع فتح عملي الخاص وأنجح فيه دون الاضطرار لتقبل زملاء ومدراء العمل الذين يُشعلون فتيل غضبي؟!

دعني أخبرك أمرا، مشاعر الغضب في بيئة العمل لا ترتبط بكونك موظفا وتختفي مع ترقيك في السلم المهني.

في مشروعك الشخصي، لن تعمل لوحدك. ستحتاج عاجلا أم آجلا لأشخاص يعملون لديك، ولأشخاص أنت ستعمل من أجلهم. كيف ستتصرف إذن إن أثار شخص منهم غضبك؟ ستطرد الأول، والثاني، والثالث…؟ فتبقى بدون موظفين! سترفض العميل الأول، والثاني، والثالث… فتبقى بدون عملاء! والنتيجة أصبحت مديرا لمشروع غير موجود!

التحكم في مشاعرك في بيئة العمل لن يضمن فقط استقرارك المهني وتفوقك، وإنما أيضا سيضمن موازنتك لكافة جوانب حياتك.

كيف ذلك؟

غالبا ستكون سمعت شخصا يشتم وظيفته، ويعيب عليها أو على مديره وزملائه في العمل. سواء كان هذا الشخص قريبا منك، أو على السوشل ميديا فقط، أووه العمل متعب، المدير لا يقدر جهدي، أنا غاضب من تصرفات زملائي، زميلتي تحسدني وتغِير مني…

في نظرك كيف ستكون حياة هذا الشخص؟ علاقاتك الأسرية؟ صحته؟ مستواه المادي؟ ثقافته وتطوره الشخصي؟؟؟ دعنا لا ننسى أن العمل والوظيفةَ خصوصا، تأخذ حيزا كبيرا من حياتنا، إن لم يكن الأكبر.

بمعنى، أنك مشغول ومتواجد في العمل أكثر من تواجدك في المنزل بين العائلة والأصدقاء.

إن كنت تشعر بالغضب طوال فترة تواجدك في العمل، فعلى أقل تقدير سترغب بالتنفيس عن هذا الغضب حين ينتهي وقت عملك. لكن، يبقى السؤال المهم، كيف تُنَفِّس عن هذا الغضب؟

بالشكوى؟ بالتذمر؟ بالأكل الزائد؟ بالإدمان؟ بمشاهدة المسلسلات؟ بترك وظيفتك؟ بالغضب على أصغر أخطاء أسرتك؟…

إن لم تتحكم اليوم في مشاعر الغضب في بيئة العمل فأنت تفتح الأبواب لهذا الغضب بالسيطرة على حياتك الشخصية أيضا.

اسمح لنفسك اليوم بتعلم 5 خطوات بسيطة وسهلة للتحكم وتفريغ هذا الشعور المُدمر!

كيف أتحكم في مشاعر الغضب في بيئة العمل؟

الجواب التلقائي الذي أستقبله من عميلاتي حين أقترح عليهن التحكم في غضبهن وقت العمل، هو \’أنا وسط العمل، لا يوجد متسع من الوقت، لا تطلبي مني أن أقوم بتأمل أو تمرين لعشرين دقيقة، أنا مستعجلة، زميلتي تثير غضبي بتصرفها.…\’.

لهذا، الخطوات التي سأشاركها معك، منها ما هو عملي وسريع ونتائجه لحظية، ومنها ما هو نظري عليك باستيعابه حتى تتجنب من البداية الوقوع في مشاكل شعور الغضب.

1ـ تعلم تمارين التنفس السريعة

لا يوجد ما هو أقرب إليك ومنك، من التنفس. لا تحتاج مدرب أو آلة أو مكان خاص، فقط رئتاك لتتنفس بهما وعقلك لتتذكر به هذه الخطوة!

لا يوجد ما يهدئ الأعصاب ويطفئ نار الغضب أسرع من 3 تنفسات عميقة. شهيق تملأ به بطنك ثم زفير تفرغ به الهواء… تستطيع الاطلاع على تمارين التنفس المختلفة واختيار واحد منها وتطبيقه بشكل مستمر.

من مزايا التنفس الواعي وقت الغضب هو أنه يمنع عنك الكلام! صحيح، كما تقرأ، حين تتنفس فأنت تصمت وبهذا تضمن لنفسك عدم التفوه بكلمات قد تندم عليها حين تهدأ.

تستطيع أن تبدأ من الآن تطبيق هذه الخطوة عبر تعلم تنفس الترقوة، وهو ممتاز لتهدئة أعصابك في كل وقت ومكان!

أقترح عليك أيضا لتقوية نتيجة هذا التنفس، أن تضع له نية تفريغ شعور الغضب مع كل زفير لك.

2ـ خذ وقتا مستقطعا

إذا كنت تعاني أيضا من شعور الخوف، فقد تخاف وتتردد أيضا في تطبيق هذه الخطوة.

كيف أطلب من مديري وقتا مستقطعا؟ إذا كنت وسط نقاش حاد وسيطر علي الغضب، كيف أنتقل من هذه الحالة إلى حالة من يقول لزميله، انتظرني لـ 10 دقائق ثم نستأنف ثورة الغضب هذه؟…

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع). لست مطالبا بالحصول على 10 دقائق كاملة لتتحكم في غضبك، الوقت المستقطع هنا، يعني تلك الثواني التي تغير فيها من حركتك.

1. كنت قائما فاجلس.
2. كنت جالسا قف.
3. اخرج من القاعة وادخل إليها مجددا.
4. اطلب كوب ماء واشربه.
5. انظر لهاتفك لثواني وأغلقه \’من الذكاء أن تضع خلفية مهدئة لهاتفك\’.

سأشاركك الآن نصيحة خاصة بمن يبحث عن وظيفة أو عمل، وأيضا لمن بدأ لتوه عملا جديدا، احرص على أن تطلب لنفسك استراحة من العمل، 5 دقائق أو 10 دقائق تخلو بها بنفسك.

لا تتخلى أبدا عن حقك في وقت مستقطع، لا تنتظر إلى أن تغضب أو تعيش أزمة مشاعرية لكي تخرج من مكتبك. تأكد من حصولك على حق البقاء منعزلا ولو لثلاث دقائق بشكل يومي، خصوصا إن كنت تعمل في دوام مستمر، مثلا من 9 صباحا إلى 4 مساء.

سيحميك هذا الوقت المستقطع من الوقوع مستقبلا في الاحتراق الوظيفي، الذي غالبا ما يكون هو أيضا سبب لانفجار شعور الغضب.

3ـ لا تخلط بين عملك وحياتك الشخصية

من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون في بيئة العمل، أنهم يربطون ما بين عملهم وحياتهم الشخصية.

كثير من السيدات يشاركن مشاكلهن العائلية مع بعضهم البعض في استراحة الشاي وقت العمل. وإن كانت هذه المشاركة تتضمن أيضا نجاحات أطفالك في الدراسة، أو هدايا زوجك لك، توقفي عن هذا الأمر.

مكان العمل للعمل، والحياة الشخصية لها مكانها.

ليس من المفترض أن تعلم زميلاتك عن أهدافك في العمل، الكثير منا بدأ بالوظيفة لهدف التعلم ثم فتح مشروع خاص. لماذا تخبرين زملائك أو مديرك بهذه النية؟

في يوم ما، وفي لحظة ما، قد تغِير منك زميلتك وتتصرف بسلوك سلبي تجاهك فتغضبين منها. أووه، لقد وثقت فيك وأخبرتك بأهدافي، وأنت الآن تريدين أن تترقَّيْ لمنصبي…!

اضمن أنك وسط العمل، تتحدث بما يفرضه هذا العمل عليك.

4ـ تذكر أنك هنا للعمل وليس لبناء الصداقات

أعلم أن حسن النية هو سلوك جيد، مع ذلك، وأنت في بداية عملك، أنت ذاهب لقصد واحد وهو أن تنجح في هذا العمل. لست مطالبا بأن تكون صديقا لأحد، أو أن تكون ضمن تحالف مع أي مجموعة، خصوصا وأنت في بداية الطريق.

ستتبادل الأرقام بشكل تلقائي مع زملائك في العمل، وقد تضطرون للالتقاء في عطلة نهاية الأسبوع لحضور فعالية ما، تذكر أنك هنا لإنجاح عملك.

مع السوشل ميديا الآن، أصبح الجميع يعرف أين تخرج وأين تقضي وقتك ومع من. أنت لا تتحكم في مشاعر زملائك، قد يكون أحدهم لا يحب زميلا لك، وبعد مدة لاحظ أنك قريب منه، قد يغير نظرته تجاهك فقط بسبب كرهه لزميلكما.

لا أقول، لا تكن صديقا لأحد، وإنما أقول له احمي نفسك مسبقا من مشاعر الغضب.

5ـ تذكر أنك المسؤول الوحيد عن شعورك

ولو أنني أتحدث عن مشاعر الغضب في بيئة العمل، إلا أن هذا الغضب يظل شعورا داخليا خاصا بك مهما ارتبط بأطراف أخرى. لا يقول لك أحد، ولا يأمرك أحد بأن تغضب في لحظة معينة، ثم تهدأ في لحظة أخرى!

مجرد استيعاب أنك المسؤول الوحيد عن مشاعرك سيبعث في نفسك الطمأنينة، ويجعلك متأكدا من قدرتك على التحكم في الغضب.

إن كان التنفس في الخطوة الأولى يجبرك على الصمت لثواني معدودة، فإن شعور الطمأنينة الناتج عن المسؤولية يحَبِّبُك في هذا الصمت.

تصرف زميلك أو مديرك في العمل هو انعكاس للحالة التي يعيش فيها هو، ولا يفرض عليك أن تغضب. هناك حلول كثيرة تحل بها مشاكل العمل دون حل الغضب.

فتح باب النقاش والحوار في العمل، يجعلك تضع هذا الغضب جانبا.

تذكرني هذه الخطوة بمبدأ الكاتب الشهير ستيفن كوفي، مبدأ 90/10.

• 10٪ من الحياة تتكون مما يحدث لك.
• 90٪ من الحياة تحددها ردود أفعالك.

ليس لدينا القدرة على السيطرة على 10٪ مما يحدث لنا. تواجه ازدحاما مروريا فتتأخر عن موعدك، ينطفئ هاتفك فجأة فلا تستطيع استخدامه، يتأخر عليك زميلك في العمل فلا تسلم مشروعك في وقته… أنت لا تتحكم في كل هذه الحوادث.

هناك شيء واحد تتحكم فيه وهو 90٪ الأخرى!

كيف هذا؟

من خلال ردات فعلك. لا يمكنك التحكم في الازدحام المروري، ولكن يمكنك التحكم في ردة فعلك. لا يمكنك التحكم في زميلك، ولكن يمكنك التحكم في نفسك، وبالتالي في شعورك بالغضب!

ما هو أسرع تمرين للتحكم في مشاعر الغضب في بيئة العمل؟

لا أستطيع إنهاء هذا المقال دون الحديث عن خطوة مهمة وعظيمة تجعلك تتحكم في غضبك وسط العمل أو حتى بعد الخروج من مكتبك وهي تقنيات التي اف تي.

تعلم تمرين التي اف تي الخاص بالغضب، وطبقه كلما أحسست بهذا الغضب!

إن كان شعور الغضب لديك خلال العمل نابع من عدم قدرتك على الإبداع في وظيفتك أو تغيير أسلوبك في العمل بطريقة تعطيك نتائج أفضل، فابحث لنفسك عن هوايات تفرغ فيها هذا الإبداع.

أن تترك الوظيفة أو العمل، خطوة سريعة وسهلة، لكن ماذا لو صاحبك هذا الغضب أينما ذهبت؟ ماذا لو كان هذا الغضب نابع من شعور الخوف؟ ساعد نفسك بتطبيق الحلول المقترحة، وإن استصعبت الأمر فلا تحرم نفسك من استشارة شخص محترف تستطيع الوثوق به.

لا تخفي إبداعك بالغضب ولا تستخف بهذا الغضب فيبعدك عن النجاح المهني!